أهل كايرو
هل يخطط الغرب لإطلاق فيروس قاتل جديد؟ الحقيقة المخيفة وراء أسلحة الحرب البيولوجية
منذ كورونا، ارتفعت مخاوف العالم من الفيروسات والمختبرات. تصاعدت اتهامات متبادلة بين دول كبرى، وترددت عبارة “سلاح بيولوجي” في منابر سياسية وإعلامية — لكن ما هو الواقع العلمي؟ وإلى أي مدى تُغذّي السياسة والخوف رواية المؤامرة؟
هذا تحقيق معمق يجمع بين التاريخ، قراءة القدرات التقنية الحالية، آراء الخبراء، وتحليل السيناريوهات الممكنة — بدون تبسيط مخل، وبدون نشر معلومات تقنية قد تضر. هدفنا توضيح: ما الذي يجب أن نخافه فعلاً، وما الذي يظل ضمن نطاق الخيال والتضخيم؟
تاريخ مُظلم: استخدام الأمراض كسلاح
استخدام الأمراض كسلاح ليس أمراً افتراضياً أو خيالياً. التاريخ مليء بحوادث توضح كيف حوّلت الجيوش والجهات العدائية العوامل البيولوجية لأدوات حرب. في العصور الوسطى، كانت الجثث المصابة تُلقى فوق أسوار المدن المحاصرة، وفي الحرب العالمية الثانية نفذت جماعات عسكرية تجارب مروعة على البشر.
خلال الحرب الباردة، انخرطت دول كبرى في برامج سرية لتطوير قدرات بيولوجية. على الرغم من توقيع “اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية” عام 1972 التي تحظر تطوير أو امتلاك أسلحة بيولوجية هجومية، ظلت المخاوف من برامج مخفية أو أبحاث مزدوجة الاستخدام قائمة.
التاريخ يعلّمنا درساً قاسياً: حين تُخفت الشفافية، تتكاثر الشكوك وتزدهر نظريات المؤامرة.
لماذا تغيرت المعادلة الآن؟ التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي
ما ميز هذا العقد هو تسارع التقنيات. أدوات تحرير الجينوم مثل CRISPR جعلت تعديل الجينات أسرع وأرخص مما كان عليه قبل عقد. أما الذكاء الاصطناعي، فدخل مجال تصميم البروتينات ونمذجة الفيروسات بطريقة لم تكن ممكنة سابقاً.
هذا التطور يُترجم إلى قوتين متعارضتين: قدرة أكبر على التعامل مع الأمراض (تصنيع لقاحات أسرع، علاج أمراض وراثية)، وإمكانية إساءة الاستخدام إذا وُجهت هذه الأدوات خارج الإطار الطبي والأخلاقي.
«الذي نراه اليوم ليس سؤالاً عن إمكان استخدام التكنولوجيا، بل عن آليات الحوكمة والرقابة التي تحدد من يملكها وكيف تُستخدم». — تعليق من خبير أمن بيولوجي
الادعاءات السياسية: من يتهم ومن ينفي؟
في السنوات الأخيرة تصاعدت الاتهامات المتبادلة بين دول كبرى حول أنشطة بحثية “مريبة” في مختبرات على حدود مناطق نزاع أو داخل دول ثالثة. مثل هذه الاتهامات كثيراً ما تُستَخدم سياسياً لتشويه صورة الخصم أو لتبرير تحركات دبلوماسية وعسكرية.
الجانب المقابل يرد عادة بالنفي، ويؤكد أن الأبحاث مكرسة للكشف عن الأمراض ومكافحتها. لكن المشكلة الحقيقية ليست مجرد صدق أو كذب الاتهامات — بل فقدان الثقة العامة بعد تجربة جائحة كورونا، التي كشفت هشاشة أنظمة الاتصال والشفافية بين الحكومات والجمهور.
ما الذي يمكن فعلاً صنعه؟ حدود القدرة التقنية
من الناحية العلمية، هناك فرق جوهري بين التلاعب الجيني لمهمة طبية وبين تصميم عامل بيولوجي يمكنه أن يعمّ العالم. الطبيعة والبيئية البشرية معقدة، والانتشار الواسع يتأثر بعوامل كثيرة: قابلية العدوى، مدة الحضانة، مقاومة الجهاز المناعي، والقدرة على الانتقال.
العلماء يشددون على نقطة مهمة: تصميم فيروس “يقضي على البشرية” بكفاءة شاملة أمر غير مرجح تقنياً، لأن العوامل البيولوجية والسلوك الاجتماعي والتدخلات الطبية تجعل السيناريو المطلق هذا غير عملي. لكن هذا لا ينفي إمكانية خلق عوامل تنتج أوبئة خطيرة أو أضرار محلية واسعة إذا سُيِّرت بغرض ضيق أو حدث تسرب غير مقصود.
السيناريوهات الحقيقية التي تُقلق الخبراء
رغم أن احتمال “نهاية البشرية” بسبب فيروس مصمم منخفض، هناك سيناريوهات واقعية يجب الاستعداد لها:
- وباء طبيعي أشدّ — طفرات فيروسية يمكن أن تنتج سلالات أكثر عدوى أو شدة.
- حادث مختبري — أخطاء في إجراءات السلامة في مختبرات عالية الأمان قد تؤدي إلى تسرب مواد خطرة.
- أسلحة بيولوجية محدودة المدى — عوامل موجّهة لأغراض عسكرية أو اقتصادية تؤدي إلى إصابات محلية واسعة.
- استهداف جيني محدود — نقاش أخلاقي وتقني حول إمكانية استهداف سمات جينية في مجموعات محددة؛ هذا السيناريو نظري لكنه أثار قلقاً أخلاقياً كبيراً.
التهديد الأكثر واقعية اليوم هو ليس “فيروس نهاية العالم”، بل تسرب أو استخدام محدود يؤدي إلى كارثة إقليمية.
الإعلام ونشوء دائرة الخوف
الأخبار المثيرة تنتشر وتجذب الانتباه، وهذا بطبيعته يخلق دوامة من الخوف. عناوين مثل «سلاح بيولوجي» و«فيروس قاتل» تجذب النقرات والمشاهدات، لكن النشر غير المتحكم فيه يضر أكثر مما ينفع. في عصر وسائل التواصل، تنتشر الروايات غير الموثقة بسرعة أكبر من قدرة المؤسسات على الرد والتوضيح.
الحل لا يكمن في كتم الأخبار، بل في الشفافية المنسقة: توضيح الحقائق العلمية بسرعة، وتقديم معلومات واضحة للعامة حول المخاطر والإجراءات الوقائية دون تضخيم ولا تهوين.
كيف تستعد الدول؟ الإنفاق والآليات
الاستثمار في الأمن البيولوجي أصبح أولوية لدى كثير من الحكومات. مبادرات لتمويل منصات لقاحات سريعة، تعزيز أنظمة الإنذار المبكر، وتحسين قدرات التشخيص توضح أن الدول تراهن على تقوية الدفاعات البيولوجية. تقارير متعددة تشير إلى استثمارات كبيرة في العقد الأخير في هذا المجال.
لكن التفاوت في القدرات بين دول العالم يترك فجوات كبيرة: دول غنية قد تمتلك منصات إنتاج لقاحات وتوزيع سريع، بينما دول منخفضة الدخل تعاني من ضعف البنية التحتية الصحية، مما يجعلها أكثر عرضة للأزمات بغض النظر عن مصدر المرض
الحوكمة والاتفاقيات: ماذا نحتاج فعلاً؟
الخبراء يطالبون بتحديث آليات الحوكمة الدولية لأن الاتفاقيات الحالية لا تحتوي غالباً على آليات تفتيش فعالة أو عقوبات رادعة للتصرفات الخفية. المقترحات تتراوح بين:
- اتفاقية دولية مُحدّثة تتضمن آليات تفتيش وانتقال شفاف للمعلومات البحثية.
- معايير موحدة لمختبرات الأمان وتدقيق دوري مستقل.
- شبكات تعاون إقليمي لتبادل البيانات الوبائية بشكل فوري.
الشفافية والمساءلة يمكن أن تقللا من الشكوك وتحدّان من استغلال المعلومات لغايات دعائية أو سياسية.
آراء الخبراء (مختصر)
خبير أمني بيولوجي: «نحتاج إلى لوائح تشغيلية دولية واضحة ومؤسسات تفتيش مستقلة».
عالم وراثة: «التكنولوجيا مفيدة لكن دون ضوابط قد تصبح خطراً اجتماعياً».
مستشار صحي عالمي: «التركيز على بناء قدرات الصحة العامة أفضل من الانشغال بنظريات المؤامرة».
الأسئلة الشائعة (FAQ)
- هل هناك دليل أن الغرب يخطط لإطلاق فيروس عمداً؟
- لا توجد أدلة موثوقة ومؤكدة متاحة للعامة تدعم هذا الادعاء. كثير من التصريحات السياسية التي تتهم جهات بعينها تفتقر إلى دلائل قليلة أو غير قابلة للتحقق.
- هل يمكن للمختبرات أن تصنع فيروسات جديدة بسهولة؟
- التقنيات الحديثة جعلت بعض العمليات أسهل من قبل، لكن تصميم عامل بيولوجي فعّال واسع الانتشار ومعقد تقنياً ويتطلب موارد وخبرات كبيرة، كما أنه يخضع لقيود أخلاقية وقانونية كبيرة.
- كيف يمكن للمواطنين حماية أنفسهم من مخاطر بيولوجية؟
- تعزيز أنظمة الصحة العامة، الالتزام بتوجيهات الصحة الرسمية خلال أوقات الأزمات، والحصول على المعلومات من مصادر موثوقة بدل تداول الشائعات يساعد في تقليل الضرر.
خاتمة — بين خوف الجمهور وضرورة الحوكمة
الخلاصة أن الخطر الحقيقي اليوم ليس رواية “فيروس قاتل مصمم يقضي على البشرية” كما في أفلام الخيال، بل احتمالات أكثر واقعية مثل الحوادث المختبرية، الأوبئة الطبيعية الشديدة، أو استخدام محدود وموجَّه لعامل بيولوجي. ما يضاعف الخطر هو غياب الشفافية والثقة.
المطلوب من الحكومات والمجتمع العلمي: الالتزام بالشفافية، تعزيز القوانين والمعايير الدولية، واستثمار حقيقي في القدرات الصحية عالمياً. فقط بهذا المزيج يمكننا تقليص مساحة الخطر وقطع الطريق أمام روايات العنف البيولوجي التي تغذيها السياسة والشائعات.
جميع الحقوق محفوظة © موقع أهل كايرو — تحرير: فريق تحرير موقع أهل كايرو — تاريخ النشر: 2 أكتوبر 2025

وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، فإن…