ماذا يحدث في أدمغتنا عندما نموت؟
بقلم: موقع أهل كايرو
الموت هو الحدث الوحيد الذي لا مفر منه في حياتنا، لكنه لا يزال أحد أكثر الألغاز التي تشغل العلماء والفلاسفة. الدماغ البشري، مركز التفكير والوعي والعاطفة، يمر بسلسلة من التغيرات المعقدة في اللحظات الأخيرة من الحياة.
قد يبدو الموت لحظة مفاجئة، لكن العلم كشف أن الدماغ لا يتوقف فورًا عن العمل. في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل ما يحدث داخل أدمغتنا عند الموت، من اللحظات الأولى بعد توقف القلب وحتى الموت البيولوجي الكامل.
تعريف الموت من منظور علمي
علماء الطب يعرفون الموت على أنه توقف لا رجعة فيه للوظائف الحيوية:
- توقف القلب عن ضخ الدم.
- توقف التنفس.
- توقف النشاط الكهربائي للدماغ.
إلا أن الدراسات الحديثة أظهرت أن الدماغ قد يظل نشطًا لبضع ثوانٍ إلى دقائق بعد توقف القلب، وهو ما يغير فهمنا التقليدي للموت ويمنحنا لمحة عن اللحظات الأخيرة للحياة.
اللحظات الأولى بعد توقف القلب
عندما يتوقف القلب، يتوقف تدفق الدم المحمل بالأكسجين إلى الدماغ، مما يؤدي إلى نقص الأكسجين الحاد (Hypoxia).
- أول 20 ثانية: يبدأ الدماغ في تباطؤ نشاطه الكهربائي.
- بعد دقيقة واحدة: يفقد الشخص وعيه تدريجيًا.
- بعد 3-5 دقائق: تبدأ الخلايا العصبية في التلف إذا لم يتم إنعاش القلب سريعًا.
هذه الفترة الحرجة تسمى “الزمن الذهبي”، وهي المرحلة التي يمكن فيها إنقاذ الحياة عبر الإنعاش.
الوميض الأخير للدماغ
الأبحاث الحديثة باستخدام أجهزة EEG أظهرت أن الدماغ يمر بما يُعرف بـ اندفاع موجات جاما (Gamma Waves Surge) بعد توقف القلب.
- تشبه هذه الموجات تلك التي تحدث أثناء الحلم أو التفكير المكثف.
- قد تفسر هذه الظاهرة تجارب الاقتراب من الموت، مثل رؤية الضوء الأبيض أو مرور أحداث الحياة أمام الشخص.
- يعتقد بعض العلماء أن هذا النشاط الكهربائي المفاجئ يمثل “وداع الدماغ الأخير”، حيث يفرغ طاقته المتبقية قبل التوقف النهائي.
التغيرات الكيميائية في الدماغ
مع نقص الأكسجين، يقوم الدماغ بإفراز مواد كيميائية تؤثر على المزاج والإحساس:
- الدوبامين: المسؤول عن الإحساس بالمتعة والرضا.
- الإندورفين: يقلل الألم ويمنح شعورًا بالسلام.
- السيروتونين: يعزز الاسترخاء النفسي.
هذا المزيج الكيميائي قد يفسر شعور بعض الأشخاص بالطمأنينة أو النشوة في لحظاتهم الأخيرة.
تجارب الاقتراب من الموت
العديد من الأشخاص الذين نجوا من الموت السريري أفادوا بتجارب غريبة:
- رؤية ضوء أبيض ساطع.
- الإحساس بالانفصال عن الجسد.
- مقابلة أقارب أو سماع أصوات مألوفة.
العلم يفسر هذه الظواهر على أنها نتيجة نقص الأكسجين وزيادة إفراز المواد الكيميائية في الدماغ وإعادة تشغيل غير منتظمة لدارات الذاكرة، لكنها تظل غامضة جزئيًا.
مراحل توقف الدماغ بعد الموت
المرحلة الأولى: دقائق ما بعد توقف القلب
- الدماغ يظل نشطًا جزئيًا.
- استمرارية الإشارات العصبية تقل تدريجيًا.
المرحلة الثانية: بعد 5-10 دقائق
- معظم الخلايا العصبية تفقد القدرة على العمل.
- تبدأ عملية التحلل داخل الخلايا.
المرحلة الثالثة: بعد 10-20 دقيقة
- توقف كامل للنشاط الكهربائي.
- الدماغ يدخل مرحلة الموت البيولوجي النهائي.
الفرق بين الموت السريري وموت الدماغ
- الموت السريري: توقف القلب والتنفس مع إمكانية العودة للحياة عبر الإنعاش السريع.
- موت الدماغ: توقف دائم لكل وظائف الدماغ، حتى لو ظل القلب ينبض بواسطة الأجهزة.
في هذه الحالة، يعتبر الشخص ميتًا قانونيًا وبيولوجيًا.
هل يستمر الوعي بعد الموت؟
مسألة فلسفية وعلمية في آن واحد:
- بعض العلماء يرون أن الوعي يتوقف فور توقف الدماغ.
- تجارب الاقتراب من الموت تشير إلى إمكانية استمرار بعض الصور الذهنية أو الإحساس بالسلام لفترة قصيرة جدًا.
عوامل تؤثر على نشاط الدماغ قبل الموت
- حالة الجسم الصحية: القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي.
- العمر: الدماغ الأكبر سنًا يكون أقل مقاومة لنقص الأكسجين.
- البيئة المحيطة: وجود إنعاش سريع يقلل من الضرر على الدماغ.
الموت ليس لحظة فجائية تنطفئ فيها الحياة بالكامل، بل هو سلسلة من التغيرات الدقيقة في الدماغ والجسم. الدماغ يمر بمراحل النشاط الكهربائي والكيميائي قبل توقفه النهائي، وتجارب الاقتراب من الموت توفر لمحة عن هذه العملية الغامضة.
© جميع الحقوق محفوظة لموقع أهل كايرو