هل يمكن للبشر العيش على المريخ؟
لماذا المريخ؟
يُعتبر المريخ أقرب كوكب يمكن للبشر الوصول إليه مقارنة ببقية الكواكب في المجموعة الشمسية. فهو يبعد عن الأرض في أقرب نقطة حوالي 55 مليون كيلومتر فقط. يتميز بوجود تضاريس تشبه الأرض، من جبال وبراكين وأودية جافة، كما يمتلك يومًا مقاربًا لطول اليوم الأرضي (حوالي 24 ساعة و39 دقيقة). هذه الخصائص جعلت العلماء يعتقدون أنه أكثر الكواكب قابلية لاستضافة البشر مستقبلاً.
بحسب وكالة ناسا، فإن المريخ شهد في الماضي وجود مياه على سطحه، وهو ما يعني احتمال وجود بيئة مناسبة للحياة الميكروبية في عصور سابقة. لذلك يُعتبر دراسة المريخ مفتاحًا لفهم تطور الكواكب واحتمال وجود حياة خارج الأرض.
سباق الفضاء نحو الكوكب الأحمر
لم يعد استكشاف المريخ حكرًا على الحكومات. فشركة سبيس إكس التي أسسها إيلون ماسك، وضعت هدفًا واضحًا بإرسال أول بعثة مأهولة إلى المريخ خلال العقد القادم. وصرّح ماسك أكثر من مرة أن هدفه النهائي هو “جعل البشر نوعًا متعدد الكواكب”.
وفي الوقت نفسه، تعمل وكالة الفضاء الأوروبية على مشاريع موازية بالتعاون مع روسيا واليابان، بينما تواصل الصين جهودها بعد نجاح بعثتها “تيانون-1” في عام 2021. أما في العالم العربي، فقد شكّل إطلاق مسبار الأمل الإماراتي نقطة تحول في الحضور العربي بالمهمات الفضائية.
تحديات الحياة على المريخ
الانتقال إلى المريخ ليس مجرد رحلة طويلة؛ بل هو مواجهة مع بيئة عدائية بكل المقاييس. الغلاف الجوي المريخي يتكوّن من 95% من ثاني أكسيد الكربون، ولا يحتوي على كمية كافية من الأوكسجين للتنفس. كما أن الضغط الجوي أقل من 1% من نظيره على الأرض، ما يجعل أي حياة بشرية مستحيلة بدون دعم تكنولوجي متطور.
درجات الحرارة القاسية
المريخ شديد البرودة، حيث تصل درجات الحرارة في بعض مناطقه إلى نحو -125 درجة مئوية. ومع ذلك، هناك مناطق استوائية ترتفع فيها الحرارة قليلاً إلى ما يقارب 20 درجة مئوية في النهار، لكنها تنخفض بشكل حاد في الليل. هذا التفاوت الكبير يجعل من الصعب الحفاظ على درجة حرارة مناسبة داخل المستوطنات.
الإشعاعات الفضائية
بسبب غياب مجال مغناطيسي قوي وغلاف جوي كثيف، يتعرض سطح المريخ لكمية ضخمة من الإشعاعات الكونية. بحسب ناشيونال جيوغرافيك، فإن هذه الإشعاعات تشكل خطرًا مباشرًا على الأنسجة البشرية ويمكن أن تؤدي إلى أمراض سرطانية على المدى الطويل.
ندرة المياه السائلة
رغم أن صور الأقمار الصناعية تؤكد وجود جليد مائي في القطبين، إلا أن المياه السائلة نادرة جدًا بسبب انخفاض الضغط الجوي. العلماء في بي بي سي ذكروا أن الخطط المستقبلية تعتمد على استخراج المياه من الجليد المريخي وتحليلها لتوفير الشرب والزراعة وإنتاج الأوكسجين.
الزراعة على المريخ
الغذاء هو العامل الأساسي لبقاء الإنسان على أي كوكب. أظهرت تجارب ناسا باستخدام تربة تحاكي مكونات المريخ أنه يمكن زراعة بعض النباتات مثل البطاطس والخس، لكن ذلك يتطلب بيئة مغلقة محكمة الرطوبة والحرارة. تُستخدم الزراعة المائية والإضاءة الاصطناعية كمصادر أساسية لإنتاج الغذاء داخل القباب.
في عام 2023، أعلنت CNN عن مشروع بحثي جديد لاختبار الزراعة باستخدام بكتيريا معدلة وراثيًا قادرة على تثبيت النيتروجين في التربة المريخية، ما قد يجعل الزراعة أكثر استدامة مستقبلاً.
مساكن المريخ.. مدن تحت الأرض
الحماية من الإشعاع والتقلبات الحرارية تتطلب أن تكون المساكن البشرية تحت سطح الكوكب أو داخل قباب مغطاة بطبقات من التربة المريخية. مشاريع مثل “Mars Dune Alpha” التابعة لـ NASA و”Mars City Design” تركز على استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لتشييد مساكن باستخدام الموارد المحلية.
ووفقًا لتقرير The Guardian، فإن هذه المساكن ستكون مكتفية ذاتيًا من حيث الطاقة والغذاء والمياه، مع الاعتماد على الطاقة الشمسية كخيار رئيسي لتوليد الكهرباء.
التحديات الصحية والنفسية
الجاذبية على المريخ تعادل 38% فقط من جاذبية الأرض، ما يؤدي إلى فقدان تدريجي في الكتلة العضلية والعظمية. كما أن العزلة الطويلة عن كوكب الأرض ستؤثر على الصحة النفسية لرواد الفضاء. لذلك تُجري ناسا تجارب نفسية وسلوكية لمحاكاة هذه الظروف، بهدف إعداد رواد الفضاء لتحمل العزلة والضغط النفسي.
القوانين والأخلاقيات الفضائية
يتساءل الخبراء حول من يملك المريخ ومن يحق له استغلال موارده. معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 تنص على أن الفضاء ملك للبشرية جمعاء، ولكن لم تُحدد بعد القوانين الخاصة بالتعدين أو الاستيطان. يطالب العديد من العلماء بضرورة وضع إطار قانوني يحمي البيئة المريخية من التلوث ويحافظ على المصلحة العامة.
هل المريخ بديل للأرض؟
يرى معظم العلماء أن المريخ ليس بديلاً عن الأرض، بل خطوة لتوسيع وجود البشرية في الكون. فالعيش على كوكب آخر لا يلغي ضرورة حماية كوكبنا الأم. كما كتب الباحث في Nature، “يجب ألا يكون المريخ مهربًا من أخطاء الأرض، بل درسًا لتجنب تكرارها.”
نظرة مستقبلية
يبدو أن الحلم بالعيش على المريخ يقترب شيئًا فشيئًا. فبينما تواصل سبيس إكس تطوير مركبة “ستارشيب” لنقل البشر، تستعد وكالة ناسا لاستخدام برنامج “أرتيميس”
كبوابة لإرسال بعثات مأهولة إلى المريخ عبر القمر. الخبراء يقدّرون أن العقد الثالث من القرن الحالي قد يشهد أول إنسان يخطو على سطح الكوكب الأحمر.
العيش على المريخ لم يعد خيالًا بعيدًا، بل مشروعًا علميًا واقعيًا تتسابق فيه الدول والشركات الكبرى. ومع ذلك، فإن الطريق ما زال طويلًا ومليئًا بالتحديات التقنية والطبية
والأخلاقية. المريخ قد لا يكون موطنًا بديلًا بعد، لكنه بالتأكيد هو الخطوة التالية في رحلة الإنسان نحو المستقبل.